الاضطرابات النفسية لدى النساء: تعريفها، أسبابها، وأشهر أنواعها


يمر كيان المرأة بالكثير من المعوقات الحياتية، ممَّا يجعلها عرضة إلى الإصابة بالكثير من الاضطرابات النفسية؛ وغالباً ما تخاف النساء من طلب المساعدة من أخصائي نفسي في وسط مجتمعٍ يملك مفهوماً مشوهاً عن الاضطراب النفسي ويوجِّه أصابع العار والسخط إلى صاحبه، الأمر الذي يجعل هذا الاضطراب يتفاقم ويستفحل.

ربَّما نتساءل في كثيرٍ من الأحيان: كم كان سيختلف شكل حياتنا لو أنَّنا تعاملنا مع المرض النفسي كما نتعامل مع المرض الكائن في أيِّ عضوٍ من أعضاء جسدنا؟ وكم من مشكلات كارثية واجهناها في حياتنا كانت لتُحَل لو أنَّنا تبنَّينا منذ البداية معيار الصحة النفسية؟ وكم من تفاصيل استحقت منَّا الحياة والاستمتاع؛ لكنَّنا لم نُعِرها أيِّ اهتمامٍ بفعل موروثا التقليدي السلبي، وتقوقعنا النفسي، وتشبُّثنا غير المنطقي بأفكارٍ وقناعات نشأنا عليها؟ وإلى أيِّ حدٍّ أبعدنا العقل والمنطق عن تفاصيل حياتنا، وسلَّمنا مفاتيحنا إلى الظروف، حتَّى أصبحنا مجرَّد تابعين للأحداث الخارجية؟

هل سألتَ نفسك يوماً من الذي يقود سفينة حياتك، ومَن يُقرِّر الأحداث المصيرية فيها، وأين يكمن شغفك، وهل ستبقى تُرجِّح نظرة الناس والمجتمع على سعادتك وأحلامك؟

لقد آن الأوان للنظر إلى الصحة النفسية على أنَّها مكوِّن أساسي وهام يساعدنا على عيش حياتنا بالشكل الأمثل، وعلى تقديم الأفضل لأنفسنا وعائلاتنا ومجتمعنا؛ وفيما يلي حديثٌ يطول عن الاضطرابات النفسية التي تعاني منها النساء، وأسبابها، وأنواعها، والتعامل معها.

ما هو الاضطراب النفسي؟

الاضطراب النفسي عبارة عن حالة عضوية تنتج عن خلل في مواد كيميائية في المخ تُدعَى “موصلات الإشارة العصبية”، حيث يؤدِّي زيادتها أو نقصانها إلى ظهور الأمراض النفسية، واضطراب في واحدة أو أكثر من وظائف الإنسان الأساسية، مثل: التفكير أو السلوك أو المشاعر.

عادةً ما تمتد هذه الأعراض على مدار فترة طويلة، وتؤثِّر في أداء الإنسان في المنزل أو العمل، وفي طريقة تعامله مع الآخرين.

ما أسباب الاضطراب النفسي؟

1. الاضطرابات العصبية:

تُحفِّز عوامل بيولوجية عديدة ظهور الأمراض النفسية، مثل الجينات، والدوائر العصبية في المخ، والخلايا، وتأثير البيئة في الجينات، والبروتينات. يؤدِّي وجود خلل ما في الدوائر العصبية في مخ الإنسان إلى معاناته من مرض نفسي، ويزيد تعرُّض الإنسان إلى ضغوطات نفسية قاسية من احتمالية تثبيط عمل الجينات المسؤولة عن توليد الموصلات العصبية؛ الأمر الذي يؤدي إلى حدوث الأمراض النفسية.

2. الاستعداد الوراثي:

لا تُورَّث الأمراض النفسية بشكلٍ مباشر، بل الاستعداد للإصابة بها هو ما يُورَّث؛ غير أنَّه يمكن للإنسان أن يُقلِّل من احتمالية إصابته بها من خلال:

  1. تقوية مناعته الذاتية.
  2. تبنِّي أسلوب حياة إيجابي وصحي.
  3. تنمية مهاراته في إدارة مشاعره وأفكاره.
  4. اكتساب مهارة الذكاء الوجداني، بحيث يتمكَّن من التعبير عن مشاعره، وضبط انفعالاته، وفهم مشاعر الآخرين.
  5. اكتساب مهارة إدارة ضغوطات الحياة، والمرونة في التعاطي مع مجرياتها، والوعي لأهمية عيش اللحظة.

3. تجارب الحياة السابقة والعوامل البيئية:

يتعامل الفرد مع الكثير من الصعوبات في حياته اليومية، وتعدُّ الأحداث التي تثير مشاعر الفقدان لديه السبب الأكثر احتمالاً للاضطراب النفسي؛ إذ يؤثِّر مقدار اللياقة النفسية التي يتمتع بها الشخص في إمكانية تجاوزه الأحداث القاسية في حياته دون إصابته بالاضطرابات النفسية.

أنواع الاضطرابات النفسية لدى النساء:

1. الاكتئاب عند النساء:

يشير تقرير لمنظمة الصحة العالمية إلى أنَّ النساء معرَّضات إلى الإصابة بالاكتئاب أكثر من الرجال بمقدار ضعفين؛ فما أسباب الاكتئاب لدى النساء؟

أسباب الاكتئاب لدى النساء:

  • عوامل عضوية: تعدُّ المرأة أكثر حساسية للعوامل الوراثية، ممَّا يزيد من استعدادها للإصابة بالأمراض النفسية. بالإضافة إلى ذلك، تتعرَّض المرأة إلى الكثير من التغيرات الهرمونية، بدءاً من فترة البلوغ وحتَّى سنِّ انقطاع الطمث؛ الأمر الذي يزيد من حساسيتها وتأثُّرها بالأحداث المحيطة بها، وبالتالي احتمال إصابتها بالاكتئاب.
  • عوامل نفسية اجتماعية: يقع على عاتق المرأة الكثير من المسؤوليات والواجبات؛ إذ عليها أن تكون زوجة صالحة، وأمَّاً مثالية، وصاحبة عمل تؤدِّيه بالتزام وشغف؛ ممَّا يعرِّضها إلى الكثير من الضغوطات والإرهاق النفسي.

أمَّا علامات الاكتئاب، فتتمثَّل ب:

  • علامات عضوية: مثل اضطرابات في الشهية، واضطرابات في النوم، وشعور بالتعب والإرهاق.
  • علامات نفسية: كأن تفقد المتعة في الأشياء التي كانت تُدخِل السعادة إلى قلبها سابقاً، وتركز على السلبيات فقط، وتفضِّل الجلوس وحدها دون الاختلاط مع الآخرين؛ كما قد تتطوَّر الحالة إلى تبنِّي أفكار انتحارية لعدم رغبتها في الاستمرار في الحياة.

علاج الاكتئاب عند النساء:

على كلِّ أنثى أن تعي أهمية الموضوع، وأن تراقب حالتها النفسية؛ فإذا لاحظت أنَّها تعيش في حالة حزن وأسى على مدار فترة طويلة، وأنَّها قد أثَّرت في كلِّ تفاصيل حياتها؛ فعليها هنا الاعتراف بحالتها وطلب المساعدة بأسرع وقت ممكن؛ إذ سيزيد كبت المشاعر ورفض الاعتراف بها الأمر سوءاً.

2. اضطراب ما قبل الدورة الشهرية:

تحصل تغيرات هرمونية قبل قدوم الدورة الشهرية، ممَّا يجعل بعض الإناث عرضة للإصابة بالعديد من الأعراض القاسية، منها:

  1. تقلبات مزاجية حادة.
  2. عصبية شديدة دون أسباب مبررة.
  3. اكتئاب حاد وقلق وتوتر.
  4. فقدان الحماس للقيام بالنشاطات التي كانت تمتِّعها فيما سبق.
  5. صعوبة في التركيز في أثناء العمل.
  6. خمول وطاقة منخفضة.
  7. تغيُّرات في الشهية والنوم.
  8. أعراض جسدية مثل: ألم العضلات والمفاصل، وزيادة الوزن، وألم وتورُّم الثدي.

تُشخَّص الأنثى أنَّها مصابة باضطراب ما قبل الدورة عندما تشتكي من وجود خمسة أعراض على الأقل من الأعراض السابقة، على أن تتكرَّر هذه الأعراض قبل بداية كلِّ دورة شهرية.

3. اكتئاب ما بعد الولادة:

تعاني السيدات من “تكدُّر ما بعد الولادة”، حيث تشعر المرأة نتيجةً لتغير الهرمونات خلال مرحلة الحمل وبعد الولادة؛ بأعراض معينة مثل:

  • اضطرابات في النوم والشهية.
  • التوتر والقلق.
  • حساسية زائدة، ونوبات بكاء.

تدوم هذه الأعراض لمدة أسبوعين بعد الولادة، وهي حالة طبيعية نتيجة اختلال الهرمونات، ويجب شرح ذلك للمرأة والوقوف إلى جانبها لتستطيع تجاوز الوضع. أمَّا في حال استمرار الأعراض إلى أكثر من أسبوعين، فعندها يتحوَّل الأمر إلى اكتئاب ما بعد الولادة، وهنا تصبح الأعراض أشد بكثير وتترافق مع:

  • الانخفاض الشديد في المزاج، واليأس.
  • الشعور بالذنب.
  • التفكير بالانتحار.
  • التفكير بإيذاء الطفل الرضيع كنوع من الرحمة به.

وهنا على المرأة الوعي لخطورة الوضع وطلب مساعدة أخصائي نفسي.

4. الاكتئاب المُصاحب لسنِّ انقطاع الطمث:

تمر السيدات خلال فترة الخمسينات من عمرهن بما يُسمَّى بـ “سن توقف الطمث”، حيث تبدأ الدورة الشهرية بالتغيب عن الأنثى؛ فإن توقفت لمدة 12 شهراً متتالياً، نقول أنَّ الأنثى وصلت إلى سنِّ انقطاع الطمث.

تقل قدرة المبيض في أثناء مرحلة انقطاع الطمث على إنتاج البويضات، فتصبح المرأة غير قادرة على الإنجاب؛ كما تقلُّ قدرته على إنتاج هرمون الإستروجين، ممَّا يجعل المرأة تشعر بأعراض عضوية ونفسية مزعجة.

العلامات التي تنذر بوصولك إلى سنِّ انقطاع الطمث:

1. علامات عضوية تتمثَّل بـ:

  • تغيرات في الدورة الشهرية.
  • هبَّات حرارية مع تعرِّق ليلي.
  • سلس بولي.
  • زيادة في الوزن.
  • هشاشة في العظام.
  • زيادة فرصة الإصابة بأمراض القلب والضغط.

2. علامات نفسية حيث تعاني الأنثى من:

  • العصبية المفرطة.
  • قلَّة التركيز.
  • الحساسية الزائدة.
  • انخفاض صبرها.
  • الشعور بالحزن الذي قد يتطوّر إلى اكتئاب.
  • الشعور بفقدان الرغبة الجنسية.

علاج اكتئاب سن اليأس:

تستطيع الأنثى مراجعة الطبيب، وأخذ أدوية تعوِّضها عن الهرمونات المفقودة، وتناول الأغذية الحاوية على الهرمونات الأنثوية (الإستروجين) مثل: الصويا، والعدس، والحمص، وغيرها. كما عليها معرفة أنَّ باستطاعتها جعل هذا السن جميلاً ورائعاً، كأن تمارس هواياتها المفضلة، وتحتفي بإنجازاتها، وتتمتع بالحياة برفقة زوجها وأولادها.

5. القلق والتوتر عند النساء:

يؤدِّي التعرُّض الشديد إلى التوتر إلى الكثير من الأمراض العضوية؛ فعند التعرُّض إلى أمر ما يُحفِّز التوتر، يقوم الجسم بردة فعل تحذيرية، ثمَّ ينتقل إلى مرحلة المقاومة؛ وإذا ما استمرَّ المُحفِّز، فسيؤدِّي ذلك إلى الإرهاق.

تحدث ردة الفعل التحذيرية عبر مسارات القشرة المخية، حيث يفرز الدماغ هرمونات الكورتيزول والأدرينالين في جميع أعضاء الجسم ويحضِّرها إلى المقاومة أو الهروب (استجابة الكر والفر).

عندما يستمر التوتر بلا انقطاع، ويتجاوز قدرة آليات التكيف بالجسم؛ تبدأ بالكف عن أداء وظائفها، وتصل إلى مرحلة الإرهاق الكظري؛ ممَّا يُضعِف دفاعات الجسم بصورة كبيرة جداً، ويضر بالجهاز المناعي، فتبدأ أعضاء الجسم بإظهار أعراض مرضية بسبب التعرُّض الطويل إلى هرمونات التوتر، حيث ينفد مخزون طاقة الجسم، ممَّا يؤدي في النهاية إلى الإصابة بالأمراض، مثل: القرحة المعدية، أوالقولون العصبي، أو ارتفاع ضغط الدم، أو الجلطات القلبية.

تعدُّ النساء بفعل ضغوطات الحياة وحساسيتهن وعاطفتهن الزائدة أكثر عرضة إلى الإصابة بالتوتر؛ لذلك عليهن التعامل مع الحياة على أنَّها لعبة، والعمل على اكتساب مهارة المرونة، وإدارة المشاعر، وضبط الانفعالات، والتعامل السليم مع الضغوطات، ومراقبة الأفكار، والتمسك بالجانب الإيجابي للأشياء، والابتعاد عن الكمالية، وتقسيم الأهداف الكبيرة إلى أهداف صغيرة يسهل تنفيذها.

6. اضطراب ما بعد الصدمة:

تعاني الكثير من النساء من صدمات قاسية في حياتهم، مثل: الطلاق، أو وفاة قريب؛ ممَّا يجعلهن عرضة إلى الإصابة باضطراب ما بعد الصدمة بنسبة أكبر من الرجال؛ وذلك نظراً إلى عاطفتهن المفرطة، وإلى أنَّهنَّ لا يستطعن تقبُّل الأمر كما الرجال، ويؤثِّر هذا سلباً في كلِّ جوانب حياتهن.

تستطيع الإناث في هذه المرحلة اللجوء إلى مختصٍ نفسي، حيث يساعدهن على تحويل الأمر من حدث صادم مزلزل إلى حدث حزين جرى وانتهى في حياتهن؛ وذلك من خلال العلاج بالتعرض إلى الصدمة النفسية، بحيث يستحضر المريض الصدمة بعد أن يكون قد هُيِّئ نفسياً لذلك، وبعد أن يشرح له المعالج النفسي عن الصدمة وكيف تتشكَّل والمثيرات التي تزيد من احتمالية حدوثها؛ إضافة إلى اكتسابه مهارات التعامل مع الضغوطات ومع مشاعره، وتعلُّم تقنيات الوصول إلى الهدوء، وبذلك يستطيع استحضار الصدمة بطريقة جديدة ودون ألم؛ على أن يكون ذلك بالتوازي مع العلاج المعرفي، بحيث يتعرَّف المريض على تأثير طريقة تفكيره في تطور الصدمة لديه، والعمل على توسيع مداركه لأمور الحياة، والنظر إليها من منظور مختلف، وتعميق ثقته بنفسه وقدراته.

7. اضطراب الوسواس القهري:

يؤدي وجود خلل ما في الدوائر العصبية في مخ الإنسان إلى معاناته من مرض الوسواس القهري، حيث يعاني من أفكار متكررة ذات طابع قسري تهيمن على تفكيره وتؤثِّر في أدائه في الحياة، مسبِّبة ضغطاً نفسياً عليه.

قد نجد أنَّ هذا الأمر يتجلَّى لدى النساء بـ “وسواس النظافة”، والذي عليها من أجل معالجته مراجعة طبيب مختص، والعمل على إضافة نشاطات عديدة إلى يومها، بحيث لا يتسنى لها الفرصة للتفكير بالأفكار الوسواسية المؤذية.

الخلاصة:

كلُّ إنسان معرَّض إلى الإصابة بمرض نفسي، ولكن عليه أن يَقيَ نفسه أولاً، وذلك من خلال تقوية المناعة النفسية والجسدية لديه، فمثلاً: أن يكون مراقباً خارجياً لأفكاره وتصرفاته، ويتعامل مع  نفسه وكأنَّها طفل، ويتقبَّل كلَّ أخطائها، ويسعى إلى تصويبها، ويتناول غذاءً صحياً؛ ليضمن بذلك جودةً عالية لحياته.

 

المصادر: 1، 2، 3، 4، 5، 6



Source link

About Author

Leave a Reply

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *